إن المراقبة فريضة غائبة، وهي: دوام علم الإنسان ويقينه باطلاع المولى عز وجل على ظاهره وباطنه، فالمولى عز وجل أقرب لعباده من حبل الوريد، لكنه يعاملهم معاملة الغائب البعيد، ليمحص المؤمنين، فقلوب الجهال تستشعر بعده فيقعون في المعاصي؛ إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر – سبحانه وتعالى – لكفوا عن الخطايا، أما من علموا قربه فسيطرت عليهم المراقبة فإنها تكفهم عن الشهوات والزلات، لأن المراقبة تدفع النفس للمجاهدة، وهي: فطام النفس عن الشهوات، ونزع القلب عن الهفوات والملذات، فتصبح المراقبة ظل كل إنسان قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل، في حله وترحاله، في حركاته وسكناته، في السر والعلانية، في الطاعة والمعصية، فالمراقبة في الطاعة تستوجب الإخلاص، وفي المعصية تستوجب التوبة والندم والإقلاع، والمراقبة في المباح تستوجب الأدب وشكر المنعم، فكل نعمة تربو مع الشكر، وكل بلية تتلاشى مع الصبر، فوجاء النفس المراقبة، ونجاتها في المحاسبة، ورياضتها المجاهدة..